من دروس الحياة
نثر/
لإبراهيم
عبدالقادر المازني
التعريف
بالكاتب
:
وُلِدَ المازني في عام 1890مبالقاهرة ، ويرجع نسبه إلى قرية " كوم مازن" بمحافظة المنوفية ،
تطلع المازنى إلى دراسة الطب وذلك بعد تخرجه من المدرسة الثانوية وذلك اقتداءً بأحد أقاربه
، ولكنه ما إن دخل صالة التشريح أغمى عليه ، فترك هذه المدرسة ، وذهب إلى مدرسة
الحقوق ، ثم عدل عن مدرسة الحقوق إلى مدرسة المعلمين ، وعمل بعد تخرجه عام 1909
مدرساً , ولكنه ضاق بقيود الوظيفة , حدثت ضده بعض الوشايات ؛ فاعتزل التدريس ، وعمل
بالصحافة حتى يكتب بحرية , كما عمل في البداية بجريدة الأخبار مع أمين الرافعي ، ثم محرر
بجريدة السياسة الأسبوعية ، كما عمل بجريدة البلاغ مع عبد القادر حمزة ، وغيرهم الكثير من
الصحف الأخرى، كما انتشرت كتاباته ومقالاته في العديد من المجلات والصحف الأسبوعية
والشهرية ، وعرف عن المازني براعته في اللغة الإنجليزية والترجمة منها إلى العربية ؛ فقام
بترجمة العديد من الأشعار إلى اللغة العربية ، وتم انتخابه عضواً في كل من مجمع اللغة العربية بالقاهرة ،
قدَّم المازني العديد من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة ، نذكر من أعماله : إبراهيم الكاتب ،
وإبراهيم الثاني " روايتان " ، أحاديث المازني - مجموعة مقالات ، حصاد الهشيم ، خيوط
العنكبوت ، ديوان المازنى ، رحلة الحجاز ، صندوق الدنيا ، عود على بدء ، قبض الريح ،
الكتاب الأبيض ، قصة حياة ، من النافذة ، الجديد في الأدب العربي بالاشتراك مع العميد طه
حسين وآخرين ، حديث الإذاعة بالاشتراك مع العقاد وآخرين ، كما نال كتاب " الديوان في
الأدب والنقد " الذي أصدره مع العقاد في عام 1921م شهرة كبيرة ، وغيرها الكثير من
القصائد الشعرية ، هذا بالإضافة لمجموعات كبيرة من المقالات ، كما قام بترجمة مختارات من
القصص الإنجليزي ، وتُوفِّىَ
المازني في عام 1949م
.
النص
:
الصبر على
المصاعب
( تعلمت أنه ما من شيء في هذه الدنيا يستحق أن نُغَالِيَ به ، ونهَوِّلَ عَلَى نُفُوسِنَا ؛
فَقَدْ مَرَّ بِي خَيْرٌ كَثِيرٌ ، وشَرٌّ كَثِيرٌ ، وَمَا كُنْتُ أَرَانِي إِلاَّ شَقِيًّا في الحالتين ؛لأني كنت
إذا أصابني خيرٌ أسَرُّ بِهِ ، ولَكِنِّي كُنْتُ مَعَ ذَلِك أشْفِقُ أَنْ يَزُولَ و أخشى ألايتكررَ ،
فأعذبَ نفسي بما لا موجب له من القليل ، وإذا أصابني سوء شقّ علي ّواستكبرته
وخفت أن يطول أمده ، وأشفقت ألا يطول أمد احتمالي له لما أنا فيه من الضراء
فصارت الحياة كالجحيم . ثم رأيت كل شيء يزول وإن خيل في وقته أنه سرمد .....
فخير للإنسان و
أجلب لراحته أن يتقي تعذيب نفسه في غير طائل
.)
المفردات :
الكلمة |
معناها |
الكلمة |
معناها |
نُغَالِيَ
|
نزايد |
نُهول |
نُضَخِّم
×
نهون |
شَقِيًّا |
تعيسًا ج أشقياء |
الضراء |
×
السراء |
الجحيم |
العذاب ع/ النعيم
|
العناء |
المشقة |
أجلب |
محضر |
سرمد |
دائم
ع/ متقطعا |
حسبي |
يكفيني |
أعني |
أقصد |
أشْفِقُ |
أقلق
وأخاف |
يتقي |
يتجنب |
أمَدُه |
أجله وعمره
ج/
آماد |
أصابني |
لحق
بي |
صحة |
سلامة |
أسيرَ رَأْيٍ |
خاضع له |
الآخر |
الغير |
احتمالي |
صبري
×
جزعي |
الغرض |
الهدف |
خرجت بها |
استفدتها |
الشرح :
يعطينا الكاتب خلاصة تجاربه غي
الحياة
،
وهي تجارب تستحق أن تكون عِبَرًا ، ودورسًا من واقع
حياة ، عاشها الكاتب بنفسه
ولنفسه
.تعلم
الكاتب أن
الحياة
لا تستحق الجري وراء شهواتها ،
فمتاعها قليل ؛
والعاقل هو من يتدبر أموره ، ويعي ما حوله جيدًا
.
فلا فائدة من البكاء على ما فات ،ولا نغع من الفرح
على ما نلناه ، فالأفضل لنا أن نرضى بالقضاء والقدر ، ونحمد الله تعالى على أنعمه
التي أسبغها علينا
.
الجماليات :
" تعلمت أنه ما من شيء : " تعبير جميل يبين خبرة الشاعر بالحياة ،
وهو مؤكد بــ
" أن " وحرف الجر الزائد " مِنْ
" .
" في هذه الدنيا " : تقديم شبه الجملة للتوكيد والتخصيص ،
واستخدام اسم
الإشارة " هذه " يدل على أن طبيعة الدنيا واحدة من حيث التقلب وعدم
الثبات
.
" يستحق أن نُغَالِيَ الفعل المضارع يدل على التجدد
والاستمرار
.
" نغالِيَ ونهَوِّلَ " : ترادف ؛ لتوكيد المعنى .
"
فَقَدْ مَرَّ بِي خَيْرٌ كَثِيرٌ
" :
أسلوب مؤكد بــ : " قد " ، وتقديم شبه
الجملة
: " بي
"
"
خَيْرٌ
، وشَرٌّ
"
تضاد ؛ لتقوية المعنى
وإبرازه
.
"
وَمَا
كُنْتُ أَرَانِي إِلاَّ شَقِيًّا"
أسلوب قصر
باستخدام
: " ما " ، " إلا
"
للتوكيد والتخصيص.
" لأني كنت إذا أصابني خيرٌ أسَرُّ بِهِ " تعبير فيه تعليل وتوكيد لما قبله ، و" إذا
"
للتوكيد.
"
ولَكِنِّي
كُنْتُ مَعَ ذَلِك أشفق
"
استدراك ؛ لدفع التوهم ، وتوكيد ما بعده
.
"
أشْفِقُ أَنْ
يَزُولَ و أخشى ألا يتكررَ
"
توازن لغوي ؛ يعطي موسيقى ، وترادف ؛للتوكيد
.
"
فأعذبَ نفسي بما لا موجب له من القليل
"
صورة
جميلة تعبر عن معاناة
الكاتب
.
"
وإذا أصابني سوء شقّ
علي
ّواستكبرته وخفت أن يطول
أمده
"
تصوير
السوء
بالسهم
الذي يصيب ، وفي هذا تجسيد للمعنى ، وإبرازه
في صورة حية ملموسة
.
" شقّ علىّ/ واستكبرته / يطول أمده " ترادف ؛ يؤكد المعنى المراد .
"
إذا أصابني خيرٌ
أسَرُّ بِهِ
، وإذا أصابني سوء شقّ علىّ"
بينهما مقابلة ،
تبرز
المعنى ،
وتبين تأمل الكاتب ، وعمق تفكيره
.
" وخفت أن يطول أمده ، وأشفقت ألا يطول أمد احتمالي " بين الجملتين موسيقا ،
ناتجة
عن
التوازن اللغوي ، وقِصَر
الفقرتين ، وفي هذا إمتاع للنفس
"خفت / أشفقت " بينهما ترادف ؛ للتوكيد .
"
يطول / لايطول
"
بينهما تضاد
...
"
فصارت
الحياة
كالجحيم
"
تصوير حياة الكاتب بالجحيم ؛ وهذا يدل على
معاناته
.
"
رأيت كل شيء
يزول
"
صورة واقعية ؛ تعبر عن عمق تفكير الكاتب ؛
وهو متأثر بقول
لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكــــل نعيم لا محالة زائل
"
كل شيء يزول / أنه
سرمد
"
بينهما تضاد
...
"
فخير للإنسان و
أجلب لراحته أن يتقي تعذيب نفسه في غير طائل
"
تصوير
لتعذيب
النفس بعدو
، يجب تجنبه
.
محاسبة
النفس
( تعلمت أن أحاسب نفسي ، وأنصب لها الميزان ، ومحاسبة النفس عسيرة ،
ولكنها واجبة ؛ حتى لايتكرر الخطأ ، ويطول الجهل ، ويتمادى المرء في الضلال ،
وهي على كلٍ أهون وأخف
من
محاسبة الآخر
.)
عدم الانسياق
وراء الآخرين
( وتعلمت ألاَّ أَكونَ أسيرَ رَأْيٍ أو كتابٍ ؛ فإن مُؤَدَّى هذا الأسرِ الإفلاسُ العقليُّ
والعاطفيُّ ، وفائدة الكتب أن يقرأها الإنسان ، ويفكر فيها ، ويضيف عقول أصحابها
إلى عقله ، لا أن يظل أسيرها ،فالفهم هو المهم والرياضة العقلية هي التي عليها
المعول ، وهي الغرض من قراءة الأدب ودرسه ، أعني بالرياضة العقلية تزويد
المرء بالمعارف اللازمة ، وتوسيع أفقه وشحذ قريحته وتعويده التفكير المستقيم
وتدريبه على التأمل
والنظر
.)
خلاصة
تجربته
( هذا من بعض ما تعلمته ، وحذقته ، وروضت نفسي عليه من دروس الحياة ، وقد
كانت التجربة طويلة وشاقة وكثيرة الرّجات والصدمات ، ولكني غير أسف ؛ لأن
الثمرة التي خرجت بها تستحق العناء ، وحسبي من ذلك سكينة النفس وصحة
الإدراك.
)
المفردات :
الكلمة |
مرادفها |
الكلمة |
مرادفها |
أنصب |
أقيم و أضع |
الميزان |
الحساب والعدل |
عسيرة |
شاقة |
يتمادى |
يستمر
×
يقلع |
المرء |
ج
:
رجال |
أهون |
أسهل |
أسَرُّ |
أسعد |
مُؤَدَّى |
مصير |
الإفلاسُ |
الفراغ والضحالة |
المعول |
الاعتماد |
أُفُقُه |
مداركه |
أشْفِقُ |
أقلق
وأخاف |
شحذ |
تشجيع
|
قريحته |
ذهنه |
التأمل |
التدبر
والتفكر |
حذقته |
أتقنته
وأجدته |
الإدراك |
الفهم
والوعي |
روضت |
مرنت وزللت
|
تدريبه |
مرانه |
يَزُولَ |
يمحى |
الرّجات |
الهزات |
أسِف |
حزين |
سكينة |
اطمئنان |
أعذبَ |
أقسو
عليها |
الشرح
:
والكاتب يضع ميزانًا دقيقًا لأفعاله ؛ فهو دائم المحاسبة لنفسه ، رغم
علمه بصعوبة ذلك ، ولكن العاقل من يُرْدِع نفسه عن الخطأ قبل أن يُرْدَع من الآخرين
.
وكاتبنا عند ما يقرأ ؛
فإنه يزيد ، أو يستزيد ، ويُعْمِلُ فكره فيما يقرأ ، ويتدبر أقوال الكتَّاب ، فلا
يقع أسير قول هذا ، أو ذاك ؛ حتى لا يكون إنسانًا أجوف ، ضحلاً ، تافهًا ، خاويًا
من داخله ... ولكن كيف ذلك ؟؟ إن ذلك يحدث بالمران العقلي ، والنضج الفكري ، وسَعَة
الخيال ؛ فالهدف الأسمى من القراءة هو إضافة حياة إلى حياة ، وعقل إلى عقل ، وفكر
إلى فكر ، وخيال إلى خيال ، والتوقد الذهني نعمة كبيرة من الله ، وهذه النعمة
تنمَّى بالقراءة التأملية
.
والحياة لا تسير على نمط واحد ؛ لكنها متقلبة ، ولكن من عرَّكته الشدائد
يصبح أقوى عودًا ، ويكفي الكاتب أن المتعة العقلية كانت كبيرة ، لكِنَّ أمن النفس ،
وراحة الضمير ، وطمأنينة القلب ، وصفاء الضمير – كل ذلك كان أعظم ، وأعلى شأنًا
.
من جماليات
النص
:
"
تعلمت أن أحاسب نفسي
"
صورة جميلة تعبر
عن يقظة ضمير الكاتب ، والصورة عبرت
عن المعنى " عذاب الضمير " بالدليل عليه
.
"
أحاسب نفسي / وأنصب
لها الميزان
"
بينهما ترادف
...
"
ومحاسبة النفس
عسيرة
"
:
حكمة صائبة ، تعبر عن قناعة الكاتب بما
يفعل رغم معاناته
.
"
يتكرر الخطأ ، يطول الجهل ، يتمادى المرء في الضلال
"
بين الجمل توازن لغوي ؛ يعطي
موسيقى
.
"
أحاسب نفسي
/
محاسبة الآخر
"
بينهما
تضاد
...
"
أهون وأخف
"
بينهما ترادف
...
"
وتعلمت ألاَّ أَكونَ أسيرَ رَأْيٍ أو كتابٍ
"
شبيه ينفي أن يكون
الكاتب أسيرًا ، وتصوير آخر لــ :
" رأي / كتاب " بإنسان ذي سطوة
0
"
فإن مُؤَدَّى هذا
الأسرِ الإفلاسُ العقليُّ والعاطفيُّ
"
تصوير
الأسر بالإفلاس ، وتصوير آخر
للعقل والعاطفة بإنسان مفلس
.
" توسيع / تعويد / تدريب" بين الكلمات توازن لغوي ؛ لاشتراكها في الوزن
"
تعلمته
/حذفته
/
روضت نفسي عليه
"
بينها نغمات موسيقية ، تطرب الأذن ... وبين الجمل
ترتيب منطقي ،
يزيد الفكرة وضوحًا
.
" قد كانت التجربة طويلة وشاقة وكثيرة الرّجات والصدمات " تعبير جميل يبرز عمق التجربة
"
ولكني غير أسف
"
استدراك ؛ لدفع
التوهم ، وإثبات المعنى لما جاء
بعد " لكني "
"
لأن الثمرة التي خرجت بها تستحق العناء
"
تعليل وتوكيد ، وتصوير
التجربة
بالثمرة
، وهذا دليل على طيب
المذاق بعد العناء والجهد
.
" وحسبي من ذلك سكينة النفس وصحة الإدراك" صورة جميلة تعبر عن الرضا
النفسي للكاتب .
"
سكينة النفس وصحة
الإدراك
"
بينهما توازن لغوي ؛ يعطي موسيقى
جميلة .
"
سكينة
"
توحي بالأمن والطمأنينة
.
خصائص أسلوب
الكاتب
:
-
يميل إلى التوازن اللغوي
.
-
ألفاظه سهلة
.
-
أفكاره عميقة
.
- يكثر من المترادفات .
-
يميل إلى استخدام
التضاد والمقابلة
.
- قليل الصور الخيالية .